فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}.
اعلم أنه سبحانه لما ذكر دلائل التوحيد أتبعه بذم قوم اعترفوا بالدين بألسنتهم ولكنهم لم يقبلوه بقلوبهم وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قال مقاتل: نزلت هذه الآية في بشر المنافق وكان قد خاصم يهوديًا في أرض وكان اليهودي يجره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهما، وجعل المنافق يجره إلى كعب بن الأشرف، ويقول إن محمدًا يحيف علينا وقد مضت قصتهما في سورة النساء، وقال الضحاك: نزلت في المغيرة بن وائل كان بينه وبين علي بن أبي طالب أرض فتقاسما فوقع إلى علي منها ما لا يصيبه الماء إلا بمشقة، فقال المغيرة بعني أرضك فباعها إياه وتقابضا فقيل للمغيرة أخذت سبخة لا ينالها الماء.
فقال لعلي اقبض أرضك فإنما اشتريتها إن رضيتها ولم أرضها فلا ينالها الماء فقال علي بل اشتريتها ورضيتها وقبضتها وعرفت حالها لا أقبلها منك، ودعاه إلى أن يخاصمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال المغيرة أما محمد فلست آتيه ولا أحاكم إليه فإنه يبغضني وأنا أخاف أن يحيف علي فنزلت هذه الآية، وقال الحسن نزلت هذه الآية في المنافقين الذين كانوا يظهرون الإيمان ويسرون الكفر.
المسألة الثانية:
قوله: {وَيِقُولُونَ امَنَّا} إلى قوله: {وَمَا أولئك بالمؤمنين} يدل على أن الإيمان لا يكون بالقول إذ لو كان به لما صح أن ينفي كونهم مؤمنين.
وقد فعلوا ما هو إيمان في الحقيقة، فإن قيل إنه تعالى حكى عن كلهم أنهم يقولون آمنا، ثم حكى عن فريق منهم التولي فكيف يصح أن يقول في جميعهم {وَمَا أولئك بالمؤمنين} مع أن الذي تولى منهم هو البعض؟ قلنا إن قوله: {وَمَا أولئك بالمؤمنين} راجع إلى الذين تولوا لا إلى الجملة الأولى، وأيضًا فلو رجع إلى الأول يصح ويكون معنى قوله: {ثُمَّ يتولى فَرِيقٌ مّنْهُمْ} أي يرجع هذا الفريق إلى الباقين منهم فيظهر بعضهم لبعض الرجوع عما أظهروه، ثم بين سبحانه أنهم إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون، وهذا ترك للرضا بحكم الرسول، ونبه بقوله تعالى: {وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ الحق يَأْتُواْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} على أنهم إنما يعرضون متى عرفوا الحق لغيرهم أوشكوا فأما إذا عرفوه لأنفسهم عدلوا عن الإعراض بل سارعوا إلى الحكم وأذعنوا ببذل الرضا، وفي ذلك دلالة على أنه ليس بهم اتباع الحق، وإنما يريدون النفع المعجل، وذلك أيضًا نفاق.
أما قوله تعالى: {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ارتابوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ الله عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} ففيه سؤالات:
السؤال الأول: كلمة {أم} للاستفهام وهو غير جائز على الله تعالى والجواب: اللفظ استفهام ومعناه الخبر كما قال جرير:
ألستم خير من ركب المطايا ** وأندى العالمين بطون راح

السؤال الثاني: أنهم لو خافوا أن يحيف الله عليهم فقد ارتابوا في الدين وإذ ارتابوا ففي قلوبهم مرض، فالكل واحد، فأي فائدة في التعديد؟ الجواب: قوله: {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} إشارة إلى النفاق وقوله: {أَمِ ارتابوا} إشارة إلى أنه حدث هذا الشك والريب بعد تقرير الإسلام في القلب، وقوله: {أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ الله عَلَيْهِمْ} إشارة إلى أنهم بلغوا في حب الدنيا إلى حيث يتركون الدين بسببه.
السؤال الثالث: هب أن هذه الثلاثة متغايرة ولكنها متلازمة فكيف أدخل عليها كلمة {أم}؟ الجواب: الأقرب أنه تعالى ذمهم على كل واحد من هذه الأوصاف فكان في قلوبهم مرض وهو النفاق، وكان فيها شك وارتياب، وكانوا يخافون الحيف من الرسول عليه الصلاة والسلام وكل واحد من ذلك كفر ونفاق، ثم بين تعالى بقوله: {بَلْ أولئك هُمُ الظالمون} بطلان ما هم عليه لأن الظلم يتناول كل معصية كما قال تعالى: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] إذ المرء لا يخلو من أن يكون ظالمًا لنفسه أو ظالمًا لغيره، ويمكن أن يقال أيضًا لما ذكر تعالى في الأقسام كونهم خائفين من الحيف، أبطل ذلك بقوله: {بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظالمون} أي لا يخافون أن يحيف الرسول عليه الصلاة والسلام عليهم لمعرفتهم بأمانته وصيانته وإنما هم ظالمون يريدون أن يظلموا من له الحق عليهم وهم له جحود، وذلك شيء لا يستطيعونه في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يأبون المحاكمة إليه. اهـ.

.قال الجصاص:

باب لُزُومِ الْإِجَابَةِ لِمَنْ دُعِيَ إلَى الْحَاكِمِ:
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ}.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ حَقًّا وَدَعَاهُ إلَى الْحَاكِمِ فَعَلَيْهِ إجَابَتُهُ وَالْمَصِيرُ مَعَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ} مَعْنَاهُ: إلَى حُكْمِ اللَّهِ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَتَى الْحَاكِمَ فَادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ حَقًّا أَنَّ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُعَدِّيهِ وَيُحْضِرُهُ وَيَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَصَرُّفِهِ وَأَشْغَالِهِ.
وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ الْأَغَرَّ الْجُهَنِيَّ قَالَ: جِئْت أَسْتَعْدِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ لِي عَلَيْهِ شَطْرُ تَمْرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْر: «اذْهَبْ مَعَهُ فَخُذْ لَهُ حَقَّهُ».
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا رَجَاءُ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا شَاهِينُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سُمْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ دُعِيَ إلَى سُلْطَانٍ فَلَمْ يُجِبْ فَهُوَ ظَالِمٌ لَا حَقَّ لَهُ».
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسٍ بْنُ كَامِلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ دُعِيَ إلَى حَاكِمٍ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يُجِبْ فَهُوَ ظَالِمٌ لَا حَقَّ لَهُ».
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ أَخُو خَطَّابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِجِلٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حدرد قَالَ: كَانَ لَيَهُودِيٍّ عَلَيَّ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ، فَاسْتَعْدَى عَلَيَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ لِي عَلَى هَذَا أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَقَدْ غَلَبَنِي عَلَيْهَا، فَقَالَ: «أَعْطِهِ حَقَّهُ» قُلْت: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ نَبِيًّا مَا أَصْبَحْت أَقْدِرُ عَلَيْهَا قَالَ: «أَعْطِهِ حَقَّهُ» فَأَعَدْت عَلَيْهِ، فَقَالَ: «أَعْطِهِ حَقَّهُ» فَخَرَجْت مَعَهُ إلَى السُّوقِ فَكَانَتْ عَلَى رَأْسِي عِمَامَةٌ وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ مُتَّزِرٌ بِهَا، فَاتَّزَرْت بِالْعِمَامَةِ وَقُلْت: اشْتَرِ الْبُرْدَ فَاشْتَرَاهُ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ.
فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ مُوَاطِئَةٌ لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ}.
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: رَوَى الطَّبَرِيُّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَانَ يُقَالُ لَهُ بِشْرٌ، كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ خُصُومَةٌ، وَكَانَ الْيَهُودِيُّ يَدْعُوهُ إلَى التَّحَاكُمِ عِنْدَ النَّبِيِّ، وَكَانَ الْمُنَافِقُ يَدْعُوهُ إلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَقَالَ: إنَّ مُحَمَّدًا يَحِيفُ عَلَيْنَا، وَكَانَ الْمُنَافِقُ إذَا تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْحَقُّ دَعَا إلَى غَيْرِ النَّبِيِّ، وَإِذَا كَانَ لَهُ الْحَقُّ دَعَاهُ إلَيْهِ لِيَسْتَوْفِيَهُ لَهُ؛ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فِيهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إذَا كَانَ الْحُكْمُ بَيْنَ الْمُعَاهِدِ وَالْمُسْلِمِ أَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ لَا حَقَّ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذِمِّيَّيْنِ فَذَلِكَ إلَيْهِمَا، فَإِذَا جَاءَ قَاضِي الْإِسْلَامِ فَإِنْ شَاءَ حَكَمَ وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ، حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مُسْتَوْفًى، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ إجَابَةِ الدَّعْوَى إلَى الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ ذَمَّ مَنْ دُعِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ فَلَمْ يُجِبْ بِأَقْبَحَ الْمَذَمَّةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ حَدَّ الْوَاجِبِ مَا ذُمَّ تَارِكُهُ شَرْعًا.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو الْأَشْعَثِ، عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ دُعِيَ إلَى حَاكِمٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يُجِبْ فَهُوَ ظَالِمٌ، وَلَا حَقَّ لَهُ».
وَهُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ، فَأَمَّا قَوْلُهُ: فَهُوَ ظَالِمٌ فَكَلَامٌ صَحِيحٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا حَقَّ لَهُ فَلَا يَصِحُّ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَإِذَا دُعُواْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ}.
هذه الآية نزلت في بشر، رجلٌ من المنافقين كان بينه وبين رجل من اليهود خصومة فدعاه اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودعاه بشر إلى كعب بن الأشرف لأن الحق إذا كان متوجهًا على المنافق إلى غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسقط عنه، وإذا كان له حاكم إليه ليستوفيه منه فأنزل الله هذه الآية.
وقيل: إنها نزلت في المغيرة بن وائل من بني أمية كان بينه وبين علي كرم الله وجهه خصومة في ماء وأرض فامتنع المغيرة أن يحاكم عليًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنه يبغضني، فنزلت هذه الآية: {وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} فيه أربعة أوجه:
أحدهما: طائعين، حكاه ابن عيسى.
الثاني: خاضعين، حكاه النقاش.
الثالث: مسرعين، قاله مجاهد.
الرابع: مقرنين، قاله الأخفش وفيها دليل على أن من دعي إلى حاكم فعليه الإِجابة ويحرج إن تأخر.
وقد روى أبو الأشهب عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دُعِيَ إِلَى حَاكِمٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَلَمْ يُجِبْ فَهُوَ ظَالِمٌ لاَ حَقَّ لَهُ». ثم قال: {أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} فيه قولان:
أحدهما: شرك، قاله الحسن.
الثاني: نفاق، قاله قتادة.
{أَمِ ارْتَابُواْ} أي شكوا ويحتمل وجهين:
أحدهما: في عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثاني: في نبوته. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله تعالى: {ويقولون آمنا بالله} الآية نزلت في المنافقين وسببها فيما روي أن رجلًا من المنافقين اسمه بشر كانت بينه وبين رجل من اليهود خصومة فدعاه اليهودي إلى التحاكم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان المنافق مبطلًا فأبى من ذلك ودعا اليهود إلى كعب بن الأشرف فنزلت هذه الآية فيه، وأسند الزهراوي عن الحسن بن أبي الحسن أنه قال من دعاه خصمه إلى حكم من حكام المسلمين فلم يجب فهو ظالم، و{مذعنين} أي مظهرين للانقياد والطاعة وهم إنما فعلوا ذلك حيث أيقنوا بالنجح وأما إذا طلبوا بحق فهم عنه {معرضون} ثم وقفهم تعالى على أسباب فعلهم توقيف توبيخ أي ليقروا مما يوبخ به أو مما يمدح به فهو بليغ جدًا ومنه قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا

البيت، ثم حكم عليهم بأنهم {هم الظالمون} وقال: {أن يحيف الله عليهم ورسوله} من حيث الرسول إنما يحكم بأمر الله وشرعه والميل الحيف. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ويقولون آمَنَّا بالله}.
قال المفسرون: نزلت في رجل من المنافقين يقال له: بشر كان بينه وبين يهوديّ حكومة، فدعا اليهوديُّ المنافق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهما، فقال المنافق لليهودي: إِن محمدًا يَحِيف علينا، ولكن بيني وبينك كعب بن الأشرف، فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى: {ثم يتولَّى فريق منهم} يعني: المنافقين {مِنْ بَعْدِ ذلك} أي: من بعد قولهم: آمَنَّا {وما أولئك} يعني: المُعْرِضين عن حُكم الله ورسوله {بالمؤمنين}.
{وإِذا دُعُوا إِلى الله} أي: إِلى كتابه {ورسولهِ ليحكُم بينهم} الرسول {إِذا فريق منهم مُعْرِضُون} ومعنى الكلام: أنهم كانوا يُعْرِضُون عن حكم الرسول عليهم، لعِلمهم أنَّه يحكُم بالحق؛ وإِن كان الحق لهم على غيرهم، أسرعوا إِلى حكمه مذعنين، لثقتهم أنه يحكم لهم بالحق.
قال الزجاج: والإِذعان في اللغة: الإِسراع مع الطاعة، تقول: قد أذعن لي، أي: قد طاوعني لِما كنتُ ألتمسه منه.
قوله تعالى: {أفي قلوبهم مرض} أي: كفر {أَمِ ارتابوا} أي: شكُّوا في القرآن؟ وهذا استفهام ذمّ وتوبيخ، والمعنى: إِنهم كذلك، وإِنما ذكره بلفظ الاستفهام ليكون أبلغ في ذمِّهم، كما قال جرير في المدح:
أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطايَا ** وأندى العالَمِينَ بُطُونَ راحِ

أي: أنتم كذلك.
فأما الحَيْف، فهو: المَيْل في الحكم؛ يقال: حاف في قضيَّته، أي: جار، {بل أولئك هم الظالمون} أي: لا يَظْلِمُ اللّهُ ورسولُه أحدًا، بل هم الظالمون لأنفسهم بالكفر والإِعراض عن حُكم الرسول. اهـ.